قشرة الأرض هي تلك الطبقة العليا من الكرة الأرضية التي كثيرا ما يطلق عليها اسم الغلاف الصخري Lithosphere ، وقد تكون هذا الغلاف بقاراته ومحيطاته نتيجة لعمليات جيولوجية طويلة ومعقدة لن يتسع المجال لدراستها في هذا الكتاب إذ أن إهتمامتنا سيقتصر على دراسة المظاهر التضاريسية الثانوية، والعوامل التي أسهمت في تكوينها وتشكيلها، وهي دراسة جرى العرف على تسميتها بالدراسة الجيومورفولوجية Geomorphology.
وعلم الجيومورفولوجيا – كما جاء في قاموس وبستر – هو ذلك الفرع من فروع الجغرافيا الطبيعية الذي يهتم بدراسة شكل الأرض وتضاريس سطحها، وتوزيع اليابس والماء ..الخ، أو قد يهدف إلى دراسة قصة التغيرات التي كانت تطرأ على سطح الأرض خلال الأزمنة والعصور الجيولوجية، وذلك عن طريق تحليل الصور الطبوغرافية واستخلاص النتائج من هذا التحليل.
وتعني الدراسة الجيومورفولوجية في الواقع أكثر ما تعني بدراسة الصور التضاريسية الثانوية كالجبال والهضاب والسهول من حيث نشأتها ووصفها وتوزيعها، أما دراسة المظاهر التضاريسية الرئيسية كالقارات والأحواض فتدخل في صميم الجيولوجيا الديناميكية Dynamic geology.
وجدير بالذكر أن موضوعات علم الجيومورفولوجيا كانت تدخل حتى عهد ليس ببعيد ، في نطاق علم واسع هو علم الفزيوجرافيا Physiography الذي وضع أسسه وأرسى قواعده الجغرافي الأمريكي و. م. ديفز W.M. Davis في سنة 1899 وقد اختلف الجغرافيون وتضاربت أقوالهم بصدد تعريف هذا الفرع من فروع علم الجغرافيا، ومن قائل أن الدراسة الفيزوجرافية إنما يجب أن تشمل نفس الموضوعات التي تضمها الجيومورفولوجيا، إلى قائل بأن مضمونها ومحتواها لا يختلف في قليل أو كثير عن مضمون الجغرافيا الطبيعية ومحتواها، إلى تعريف ثالث شائع في المدارس الجغرافية الاوروبية، وهو أن علم الفزيوجرافيا يجب أن تدخل في دائرته دراسات أخرى عديدة إلى جانب دراسة الصور التضاريسسية كالدراسات المناخية والميتورولوجية، والهيدرولوجية والنباتية والأوقيانوغرافية.. مما جعل دارئتها تتسع كثيرا عن تلك التي حددها ديفز والتي جعلها تقتصر على دراسة مظاهر سطح الأرض . ولهذا السبب بطل استخدام كلمة فزيوجرافيا وخاصة في الولايات المتحدة ، وحلت محلها كلمة جيومورفولوجيا التي ذاع استخدامها وانتشر حتى في المدارس الجغرافية الاوروبية التي كانت تغالي في توسيع نفوذ الدراسة الفزيوجرافية.
على أننا نرى – رغم هذا – من بين الجغرافيين المعاصرين من يحبذ الرجوع إلى استخدام كلمة فزيوجرافيا لتدل على دراسة اشكال الأرض وذلك لسببين رئيسييين:
أولهما: أن الدراسات الميتورولوجية والمناخية، والهيدرولوجية والنباتية قد شهدت من التطور في العقود الأخيرة مما جعلهما تمثل علوما مستقلة لها كيانها المنفصل تماما عن كيان العمل الفزيوجرافي.
ثانيهما: أن دراسة أشكال التضاريس الأرضية ، إنما تستدعي بعض الإلمام أو المعرفة التامة – في بعض الأحيان – بنواحي الدراسات المناخية والنباتية والهيدرولوجية الآنفة الذكر حتى يتحقق الفهم الصحيح والتحليل السليم لهذه الأشكال، وإن كان هذا القول لا يعني أن الدراسة الجيومورفولوجية قاصرة في اعتمادها على هذه الدراسات، إلا أن استخدام كلمة فزيوجرافيا بمدلولها الواسع يجعلها أثر توفقيا كاسم لعلم الأشكال الأرضية.
ومهما كان الاختلاف في تعريف كل من الجيومورفولوجيا والفزيوجرافيا – وهو ذلك الاختلاف الذي مازال مستمرا حتى وقتنا الحالي – إلا أننا نجد أن كلمة جيومورفولوجيا ما زالت أكثر استخداما وشيوعا، ولهذا سنستخدمها كعنوان لهذا الكتاب إلى أن يستقر الجغرافيون على أخد هذين اللفظين.
الجيومورفولوجيا
تعتمد الدراسة الجيومورفولوجية في أساسها اعتمادا كبيرا على علم الجيولوجيا بشتى فروعه.
فعند الكلام عن التركيب الصخري لقشرة الأرض نجد أن لا مفر أمامنا من الاعتماد على علم الطبقات بالاضافة إلى علم الصخور ذاته كما أنه لابد لنا عند دراسة التركيب الصخري لقشرة الأرض أن نلم إلماما عاما بالمعادن المختلفة التي تتكون منها الصخور. وهذا يستدعي بالضرورة اللجوء إلى علم المعادن.
كما أن علم الحفريات الذي يعتبر في الواقع أحد فروع الجيولوجيا التاريخية – (التي تهتم إلى جانب إهتمامها بدراسة العمليات الطويلة التي توالت على كوكب الأرض حتى تكونت قاراته ومحيطاته، تهتم إلى جانب هذا بمعرفة تطور صور الحياة على سطح الأرض سواء كانت حياة نباتية أو حيوانية) – يفيدنا هو الآخر في معرفة أنواع الحفريات التي قد تتكون منها بعض الأنواع الصخرية.
وتعنى الدارسة الجيومورفولوجية إلى جانب هذا بالالمام بنواحي علم الجيولوجيا الطبيعية الذي يهتم بمعرفة الوسائل والعمليات المختلفة التي أسهمت في تشكيل قشرة الأرض.
ومن هذا نرى تلك الصلة الوثيقة بين علمي الجيومورفولوجيا والجيولوجيا. وهي صلة جعلت كلا من الجغرافيين والجيولوجيين على حد سواء يخوضون في موضوعات الجيومورفولوجيا ، ولكن هناك اختلافا واضحا في معالجة كل منهم لهذه الموضوعات، فالجيولوجي ينظر إلى الجيومورفولوجيا على أنها نهاية قصة تطور طويلة، أما الجغرافي فيعتبرها بداية لدراسته، وهو أيضا بحكم تشعب دراسته وتعدد نواحيها يمكنه أن يلم بكل العوامل التي تؤثر في الصور التضاريسية وتتأثر بها، ولو أنه نظرا لعدم تخصصه في أي من هذه الدراسات لا يستطيع الخوض فيها بشئ من التعمق، ولهذا كثيرا ما توصم أبحاثه بالسطحية. ومن هنا كانت ضرورة تضافر جهود الجغرافيين للقيام بأبحاث مثمرة في نطاق الجيومورفولوجيا كل في دائرة تخصصه الذي لا يخرج عن كونه مجرد ميل نحو ناحية معينة من نواحي الدراسة الجغرافية المتشعبة، وحتى إذا انعدم وجود الجغرافي المتخصص في ناحية معينة إلا أنه يمكنه أن يشترك في الدراسات الحقلية الجماعية التي تضم مجموعة كبيرة من المتخصصين في كل النواحي التي تؤثر في دراسة الأشكال الأرضية (المناخ ، النبات، الهيدرولوجيا، ...الخ)، بحيث يقوم الجغرافي بدور المنسق بين هؤلاء المتخصصين بمنهجه العلمي الذي يقوم على ربط عناصر البيئة الطبيعية بعضها ببعض، وإبراز تفاعلها وتداخلها وتأثيرها مجتمعة على شكل التضاريس في إطار إقليمي معين. مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به الجيولوجي أو عالم المناخ أو غيرهما من المتخصصين بحكم ضيق دوائر تخصصاتهم.
تطور الدراسة الجيومورفولوجية
أولا: في العصور القديمة:
يحسن بنا قبل البدء في دراسة موضوعات علم الجيومورفولوجيا أن نبين أن هذا النوع من الدراسة قد بدئ في الاهتمام به منذ عهد بعيد، إذ أن بعض الظواهر الطبيعية، كالاضطرابات الجوية، وحركة المد والجزر، والثورانات البكرانية حفزت فلاسفة الإغريق والرومان ومفكريهم إلى التأمل في طبيعتها وكنهها فنجد كتابات أرسطو (384-322 ق.م) تعكس بوضوح هذه النزعة التأملية، فقد كان يعتقد مثلا أن لمياه الآبار ثلاثة مصادر:
أ- مياه الأمطار التي تترسب سفليا في باطن الأرض. ب- المياه التي تكونت داخل الأرض نتيجة تكاثف بخار الماء الساخن الذي يوجد في باطنها والذي يبرد عند إقترابه من سطحها. ت- المياه التي تخزن في الصخور ولا تعرف مصادرها.
كما كان يعتقد بأن سقوط الأمطار يؤدي إلى تكوين مسيلات مائية مؤقتة، وفي رأيه أن المياه الجوفية هي المسئولة الى حد كبير عن جريان مياه الأنهار جريانا مستديما، وكل هذه التخمينات التي وصل إليها أرسطو عن طريق التأمل لا تختلف كثيرا عما وصل إلى العلماء في العصر الحديث.
كما نجد أن بوليبيوس Pollybius (210-128 ق.م) يهتم بدراسة كيفية تكون دالات الأنار وكيف أن الأنهار تنحت أوديتها نحتا بطيئا.
كما يعتبر بوسيدونيوس Posodonius (135-50 ق.م) من أحسن الجغرافيين الطبيعيين في بلاد الإغريق ، فقد درس ظاهرة المد والجزر عند قادس في البحر المتوسط، كما قام بقياس أعماق هذا البحر بالقرب من ساحل جزيرة سردينيا.
وحتى كتابات هيرودت (485-425 ق.م) المؤرخ، لم تخل من معلومات جيومورفولوجية، فقد وضح مثلا أهمية الفيضان السنوي لنهر النيل في تجديد خصوبة أراضي مصر الزراعية، كما لاحظ وجود بعض أنواع من الصدف والمحار في أعلى المرتفعات في جهات متفرقة من أرض مصر، وعزا وجودها إلى أن البحر في وقت من الأوقات كان يغظي معظم أنحاء مصر السفلى. وسترابون، الذي جاب أنحاء مصر وايطاليا واليونان وآسيا الصغرى، ووصل في مصر جنوبا حتى مدينة أسوان – قد ذكر هو الآخر أمثلة عديدة لتعرض اليابس في أنحاء كثيرة لحركات مختلفة من الإرتفاع والهبوط ، كما كان أول من قرر أن جبل فزيوفيس بالقرب من نابلي جبل بركاني، وذلك بعد دراسته لتكوين قمته، كما درس دالات الأنهار ولاحظ حركة المد والجزر كثيرا ما تعوق نموها قدما على حساب مياه البحار.
ومن الفلاسفة الذي نحوا منهجا جغرافيا طبيعيا، الفيلسوف سنكا (توفي في سنة 65 م). الذي قام بدراسة الزلازل التي اعتقد أنها ناجمة عن تفاعلا الرياح وتصارعها في باطن الأرض.
ثانيا: في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة:
وما أن انتشرت الإضطرابات والفوضى بعد ذلك في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الغربية، حتى اختفت المعرفة الجغرافية وتلاشت من عقلية الاوروبيين لفترة طويلة حمل فيها العرب شعلة العلوم والفنون في وقت كانت فيه اوروبا غارفة في ظلمات الجهالة.
فقد درس ابن سينا (980-1037) كيفية تكون الجبال التي قسمها من حيث النشأة إلى قسمين: جبال تكونت نتيجة حركات رافعة كتلك التي تصاحب الزلازل ، وجبال عملت المياه الجارية والرياح على تشكيلها وتغيير معالمها. فكأنه بهذا كان أول من أشار إلى وجود جبال التعرية.
وكان ابن سينا من المؤمنين بأن عملية النحت تتم ببطء شديد للغاية، وتستغرق وقتا طويلا لكي تتم، وهنا يجدر بنا بأن نذكر أن الفكرة التي كانت تسطير على العقول فيما يتصل بنشأة التضاريس الأرضية إبان القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت ترجع التضاريس الأرضية إما أنها خلقت كما هي عليه، أو إلى عوامل فجائية أحدثت تغيرات جوهرية سريعة في سطح الأرض. ويمثل هذا الاحتمال الأخير أساس مبدأ ذاع وانتشر إبان هذه الفترة ألا وهو مبدأت الطفرة Catastrophism، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تتعرض لها الأرض تغيرات سريعة وفجائية، وأن عمر الأرض لا يعدو بضعة ألاف من السنين. ولهذا نجد مثلا أن كبير الأساقفة في إيرلندا يعلن في سنة 1654 أن خلق العالم قد تم في يوم 26 اكتوبر سنة 4004 ق.م. في الساعة التاسعة صباحا!! وقد سادت مثل هذه الظنون التي لا ترقى عن مستوى الحدس والتخمين قرابة قرن من الزمان، وأصبح المسيحيون يعتقدون أن شتى أنواع التكوينات الجيولوجية التي تتمثل على سطح الأرض قد تم بناؤها في فترة لا تتجاوز الستة آلاف عام.
ولا شك أن الدين كان له دخل كبير في تفسير الظاهرات الطبيعية وغير الطبيعية في ذلك الوقت، فقد فسر البعض مثل وجود الركامات الجليدية وغيرها من الرواسب المرتبطة بالعصر الجليدي بأنها تمثل ما تخلف عن فيضان نوح!! كما أعتقد نفر آخر أن الأنهار الخانقية وأوديتها ما هي إلا نتيجة زلازل أرضية أنزلها الله على الكون، والجبال قد برزت بفعل حركات رافعة فجائية وعنيفة.
وقصارى القول أن الاعتقاد بمبدأ الطفرة في ذلك الوقت كان سببا في ألا يلقى العلماء أي بال للعمليات الجيولوجية التي تعمل ببطء مثناه، والتي لا تلاحظ آثارها إلى على مدى فترات طويلة.
ثالث:العصور الحديثة:
وقد استمرت هذه الاعتقادات تسيطر على عقول الناس حقبة من الزمن ليست قصيرة حتى قيض الله لعلم الجيولوجيا عالما وضع أسسه وأرسى قواعده وهو الجيولوجي الاسكتلندي جيمس هاتون J. Hutton، الذي تعد أراؤه بمثابة نقطة تحول خطيرة في الدراسة الجيولوجية ، ولهذا يحسن أن تقسم تطور العلم في الفترة الحديثة إلى ثلاث مراحل على اعتبار أن الفترة التي ظهر فيها هاتون هي الفترة القياسية التي وضعت فيها كل أسس العلم:
1- مرحلة ما قبل هاتون Pre-Huttonian period. 2- مرحلة هاتون Classical era Huttonian. 3- مرحلة ما بعد هاتون Post-Huttonian Period.
أما المرحلة الأولى فقد كانت مرحلة طويلة استمرت زهاء ثلاثة قرون، ولا يتسع المجال لذكر كل أسلاف هاتون الذين أضاءوا له السبيل ومهدوه، بل يكفي أن نذكر منهم: العالم الايطالي الفنان ليوناردو دافنشي (1452-1519) الذي برع في العلوم الطبيعية إلى جانب نبوغه في الفن، فهو الذي وضح كيف أن المجاري المائية هي التي تشق أوديتها وهي التي تنقل المفتتات الصخرية من مكان إلى آخر، وتعتبر لهذا هي العامل الأساسي في تشكيل تضاريس قشرة الأرض، كما أنه كان أول من بين بجلاء ووضوح الأصل العضوي للحفريات وبقايا الحيوان والنبات مما يوجد في الصخور، فقضى بذلك على الأفكار اللاهوتية التي كانت تقول بأن الحفريات تمثل محاولات للخلق من عمل الشيطان!!!
ومن أسلاف هاتون أيضا: الفرنسي بيفون Buffon، الذي نادى بأن الأنهار لها قدرة هائلة على نحت المناطق المرتفعة وتسويتها حتى تصبح في مستوى سطح البحر، ولهذا يعد أول من أشار بطرف أو بآخر إلى وجود مستوى أدنى لعمليات النحت على اليابس.
ومن الذين اهتموا كذلك بدراسة قدرة الأنهار على نحت مجاريها أو شق أوديتها وتكوين سهولها الفيضية: الايطالي ترجيوني توزتي Targioni Tozetti، والفرنسيات جوثار Guethard، وديمرسيه Desmarset.
على أن أهم العلماء الذين ظهرو في فترة ما قبل هاتون كان العالم السويسري دي سوسير De Saussure الذي كان أول من ابتدع كلمة جيولوجيا وأطلقها على علم الأرض الذي يهتم بدراسة صخورها ومعادنها وتضاريسها تمييزا لهاذ العلم الجديد عن عمل الجغرافيا الذي هو عبارة عن وصف الأرض والذي كانت تدخل في نطاقه كافة الدراسات العملية الطبيعية التي استحوذت على اهتمام الانسان. وقد درس دي سوسير الأنهار وحلل قدرتها على النحت والإرساب، كما قام بأباحاث طويلة في جبال الألب السويسرية وبين أن هناك أنهارا جليدية لها هي الأخرى القدرة على النحت وتشكيل سطح الأرض.
أما المرحلة الهاتونية فتعد بحث مرحلة حاسمة في تطور علم الجيولوجيا ، إذ يعد جيمس هاتون (1726-1797) واضع الأسس الأولى لهذا العلم، فقد تقدم بفكرة جديدة كانت الأولى من نوعها هي: "أن الحاضر هو مفتاح لدراسة الماضي وهي التي بنى عليها مبدأت Uniformitatanism أي التغير التدريجي البطئ، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تعرض لها سطح الأرض قد تمت بطريقة تدريجية استغرقت فترات طويلة تقدر بملايين السنين ، وليس بالطفرة الفجائية.
وقد ظهرت أراء هاتون مفصلة في كتابه عن "نظرية الأرض" الذي نشر سنة 1795، وقد توخى في هذا المؤلف القيم توضيح العمليات المختلفة التي أسهمت في الماضي ومازالت تسهم في الحاضر في تشكيل سطح الارض وهذه العمليات لا تخرج عن كونها إما عمليات ميكانيكية أو كيميائية، وتؤدي كلها في النهاية إلى نحت التضاريس وخفضها.
ومن كبار الوراد الاوائل الذين وضعوا أسس الجيولوجيا الحديثة أيضا "إبراهام فيرنر Abraham Werner" (1750-1817)، وهو صاحب مدرسة كبيرة كانت تعرف بمدرسة النبتونيين (نسبة إلى اله البحر نبتون) فقد كان من رأيه أن جميع الصخور – رسوبية كانت أم نارية – قد تكونت بفعل عمليات كيميائية في محيط قديم هائل كان يغلف الأرض كلها في العصور السحيقة في القدم. وقد هاجم هاتون هذا الرأي الخاطئ، وبين أن الصخور الجرنيتية مثلا – صخور نارية تكونت أول ما تكونت في أعماق الأرض ثم اندفعت بعد ذلك إلى سطحها وأخذت أشكالات وصورا عديدة، وأنها كثيرا ما تتعرض للتحول والتغير بعد ذلك ، ومن هنا عرفت مدرسة هاتون بمدرسة البلوطونيين (نسبة إلى بلوتو اله عالم ما تحت الأرض)، وقد استمر الجدل والنقاش بين البلوطنيين والبنتونيين فترة طويلة استغرقت النصف الثاني من القرن الثاني عشر.
وقد ظهر أيضا في نفس الحقبة التي عاش فيها هاتون الجيولوجي بلايفير Playfair، الذي درس النظم النهرية دراسة كانت الأولى من نوعها، فهو يرى أن لكل نهر مجرى رئيسيا تغذيه روافد متنوعة تجري في مجاري يتناسب كل منها في اتساعه مع طول النهر الرئيسي وحجمه، وتكون هذه المجاري كلها في النهاية نظاما نهريا متكاملا. ومثل هذه الأنظمة هي المسئولة عن وجود تلك الخطوط العميقة المحفورة على سطح الكرة الأرضية والتي تعرف بالأودية. ويمكننا القول بصفة عامة بأن معظم الأفكار الحديثة التي وضحت الكيفية التي يتم بها تشكيل سطح الأرض قد تضمنها كتاب نظرية الأرض لهاتون وهو الكتاب الذي اهتم فيه مؤلفه أيما اهتمام بدراسة عمليات النحت البحري والنهري.
أما المرحلة التالية لهاتون فقد ظهر فيها عدد غير قليل من الجيولوجيين نذكر منهم على سبيل المثال السير تشارلز لييل Sir Charles lyell (1797-1875)، الذي كان من أشد المتحمسين لمبدأت التغير التدريجي البطئ، ولكنه عارض الرأي الذي نادى به هاتون، وهو أن المجاري المائية هي التي تنحت أوديتها، وذكر أنه من المحتمل أن يكون قد تم حفر الاودية النهرية الكبيرة بفعل الأمطار والمياه الجارية، ولكن مما لا شك فيه أن بعض الحركات الباطنية تسهم هي الأهرى في زيادة سرعة عملية الحفر خلال بعض مراحل تكون هذه الأودية.
كما أن لوي أجاسز L. Agssiz (1807-1873)، كان أول من ذكر بأن الجزء الشمالي من اوربات تركمنت فوقه أثناء عصر البلايستوسين غطاءات جليدية ، وهو الذي أطلق على الفترة التي تم فيها تكون هذه الغطاءات اسم العصر الجليدي وقد درس رامزي A. Ramssy (1814-1891)، الجيولوجي الانجليزي عمليات التعرية البحرية دراسة دقيقة لم يسبقه إليها أحد.
أما في الولايات المتحدة فقد ظهر عدد كبير من الجيومورفولوجيين منهم "باول J. W. Powell" وجلبرت G. K. Gilbert، وداتن C. D. Dutton ، وقد اهتم باول بتصنيف التضاريس الأرضية على أساس عامل التركيب الجيولوجي، كما قام بدارسة منطقة الانكسارات في هضات كولورادو، ويونيتا في جنوب غرب الولايات المتحدة ، وقسم أودية الأنهار إلى مجموعتين كبيرتين: أودية ترتبط ارتباطا وثيقا في شكلها واتجاهاتها بالطبقات التي تخترفها، وأودية أخرى تتشابه فيما بينها من حيث النشأة: فهنالك أودية سالفة Antecedent وأودية رئيسية Consequent وأودية منطبعة Superimposed ، وكل هذه المصطلحات شاع استخدامها بعد ذلك وأصبحت تستخدم حتى وقتنا لحالي. وقد كان باول أول من أطلق الاصطلاح المعروف بمستوى القاعدة Base level على المستوى الأدنى الذي تصل إليه عملية النحت التي لابد أن تنتهي إليه إذا ما استمرت تعمل دون توقف ودون تدخل عوامل أخرى باطنية مما يؤدي غلى تحول المنطقة المنضرسة إلى سهل منخفض يعلو قليلا فوق مستوى سطح البحر وهذا السهل المنخفض هو الذي أطلق عليه ديفيز فيما بعد اسم السهل Peneplain.
أما جلبرت فيعد بحق أول جيوموروفولوجي ظهر في الولايات المتحدة ، وقد اهتم بدراسة العمليات الجيومورفية المعقدة سواءتلك التي تسببها العوامل الجوية أو المائية أو الجليدية أو الباطينة، كما قام بدراسات طويلة في منطقة هضبة الحوض العظيم في الولايات المتحدة ،خرج منها بأن بحيرة جريت سولت ليك كانت خلال عصر البلايستوسين أكثر مساحة واتساعا مما هي عليه الآن، وقد أطلق على البحيرة البلايستوسينة القديمة اسم بحيرة بنفيل Bonneville. وتعتبر دراسة جلبرت للشواطئ القديمة لهذه البحيرة أول دراسة جيومورفولوجية دقيقة في الولايات المتحدة.
وترجع أهمية دات إلى دقته في تحليل الصور التضاريسية، والى ما وصل إليه من نتائج عند دراسته لمنطقة كولورادو، فقد ذكر أن هضبة كولورادو قد تعرضت لحركة هبوط قبل أن يشق نهر كولورادو خانقه العظيم خلالها، وإلى أنه كان أول من لفت الأنظار إلى ظاهرة التوازن الأرض Isostasy.
ويمكننا أن نلاحظ من عرضنا السابق لتطور الدراسة الجيومورفولوجية أن الجيولوجيين وحدهم هم الذين احتكروا هذه الدراسة، ولكن هذا لا يعني أن الجغرافيين لم يكن لهم نصيب في تطويرها. فمنذ بداية الاهتمام بعلم الجغرافيا كان الاتجاه الأول هو دراسة شتى المظاهر الأرضية، ويظهر هذا بجلاء واضح في كتابات أساطين هذا العمل القدامى مثل "كانت E. Kant" و "هامبولت Hambolt" و "ريتر K. Ritter" الذين ضربوا بسهم وافر في تطوير الدراسة الجغرافية بالمعنى الذي نفهمه الآن، بل كانت تدور حول الانسان فنجد كانت مثلا يعتبر الانسان بمثابة أحد العوامل الخمسة التي تشكل في سطح الأرض، إذ اعتبره متشابها في تأثيره على قدم وساق مع الهواء والمياه الجارية والجليد والنبات والحيوان، وهذا دليل على أن الجغرافيا الطبيعية التي كانت تعرف خلال القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر لم تكن طبيعية بالمعنى الذي نفهمه الآن، أي تهتم بدراسة المظاهر الطبيعية الأرضية في حد ذاتها.
وفي خلال فترات تطور علم الجغرافيا نجد أن الفترة التي استمرت من 1870-1882 كانت بمثابة رد فعل لدراسة ريتر وأتباعه التي كانت تنحو اتجاها تاريخيا ، فقد ظهر فيها ميل قوي واضح نحو الجغرافيا العلمية. وهكذا تحول اتجاه علم الجغرافيا من دراسة الانسان إلى دراسة مورفولوجية الأشكال الأرضية ووصف أنواع التضاريس. وقد كانت الأستاذ أوسكار بشل O. Peschel من السابقين في هذا الاتجاه، فهو الذي قاد الجغرافيين منذ 1870 نحو دراسة مورفولوجية سطح الأرض وصوره التضاريسسية، ويعتبر في الواقع أول من أرسى قواعد علم الجيومورفولوجيا . ومن رأيه أن الجغرافي عليه أن يبحث عن الظارهات التضاريسسية المتشابهة في جهات العالم المختلفة ثم يقارنها من حيث نشأته وتوزيعها مستعينا في ذلك بخرائط ذات مقاييس كبيرة.
وقد سار على خطى بشل ثلاثة من أساطين الجغرافيا الطبيعية بدأو دراستهم كجيولوجيين وهو "ريشتوفن F. V. Richthofen" و"بنك W. Penck" و"ديفز W. M. Davis" وقد اهتم أولهم بالدراسات الجغرافية الطبيعية المقارنة وبتقسيم العالم إلى أقاليم فزيوجغرافية. كما قام بدراسة بلاد الصين دراسة جيولوجية وجيومورفولوجية لا يزال بعض الجيولوجيين المعاصرين يتخذونها أساسا لدراساتهم الحديثة. أما بنك فقد اهتم بدراسة مورفولوجية سطح الأرض بالاضافة إلى تخصه في الدراسات الجليدية وأثر عوامل التعرية الجليدية في تشكيل سطح الأرض.ط
أما وليام موريس ديفز فقد وصل باتجاه بشل المورفولوجي إلى منتهاه عندما درس عملية النحت النهري وقسم مراحل التطور النهري إلى المراحل الثلاث المعروفة: مرحلة الشباب، ومرحلة النضج، ومرحلة الشيخوخة – وإن دل هذا التقسيم على شئ فهو يدل على تأثره بالنظرية الدارونية للتطور – هذا وقد أطلق ديفز على هذه المراحل اسم دورة التعرية العادية، وهي التي جعلت منه صاحب مدرسة جيومورفولوجية في الولايات المتحدة كانت على اتصال وثيق بتطور العلم في ألمانيا، وبالأستاذ بنك بصفة خاصة، فقد حاضر ديفز بجامعة برلين لمدة سنة ، كما حاضر بنك في جامعتي كولومبيا وييل بالولايات المتحدة لنفس المدة.
ويمكن القول بصفة عامة بأن الدراسات الخاصة بمورفولوجية الأرض – وهي التي بدأها بشل – شاعت بين الجغرافيين في تلك الفترة لدرجة أن الغالبية العظمى منهم اقتصرت دراساتهم الجغرافية عليها مما أدى إلى طغيان النزعة الجيومرفولوجية طغيانا كبيرا على مجال البحث الجغرافي ، ولا يزال أثر هذا واضحا تمام الوضوح في بعض الجامعات حتى وقتنا هذا.
وقد بالغ البعض في هذا الاتجاه الجيومورفولوجي حتى خرجو عن ميدان الدراسة الجغرافية التي اعتبرها علم الأرض Erdkunde ، ولهذا يجب أن تكون علما بالمعنى الحقيقي له قوانين ثابتة، ومن ثم ينبغي أني يستبعد الإنسان منها استبعادا كليا على أساس أن الإنسان لا يمكن أن تتناول دراسته وفق قوانين موضوعة ثابتة، وعلى أساس أن الدراسات الإنسانية في حد ذاتها لا تفيدنا في معرفة الأرض نفسها، محور الدراسة الجغرافية. وخلاصة الكلام أن الحركة المورفولوجية التي بدأها بشل قد أسفرت عن حقيقة هامة ألا وهي الاهتمام بالناحية الطبيعية وإهمال الناحية البشرية في الدراسات الجغرافية.
ديفز وبنك:
وفي أثناء العقدين الأولين من القرن العشرين انتشرت آراء ديفز انتشارا كبيرا وكان لها الكثير من المؤيدين والمعارضين على السواء، ومما يستحق الذكر أنه رغم الصلة المستمرة التي كانت قائمة بين بنك وديفز إلى أن بنك وأتباعه حملوا حملة كبيرة على دورة التعرية كما وضحها ديفز، وقد بلغت هذه الحملة أوجها إبان العقد الثالث من القرن العشرين.
فقد اعتقد ديفز بأن دورة التعرية التي تسببها المياه الجارية تبدأ في الغالب بحركات رافعة سريعة تتعرض لها المنطقة، وتنتهي بفترة ثبات تام تؤدي إلى إتمام هذه الدورة واكتمالها وتصبح المنطقة المتضرسة في النهاية عبارة عن سهل تحاتي ينعدم فيه التضرس. ولكن بنك وأتباعه عارضوا هذا الرأي وبينوا أن تتابع مراحل الدورة الجيومورفية لا يتم على هذا النحو الذي بينه ديفز إذ أن هذه الدورة – في نظرهم – تبدأ في المعتاد بتعرض المنطقة لحركات رافعة متناهية في البطء تزداد سرعة بعد ذلك مما يحول دون مرور المنطقة بالمراحل التي تحولها إلى شبه سهل منخفض. كما أن عددا آخر من الجيولوجيين الأمريكيين الذين تخصصوا في دراسة ساحل أمريكا الغربي – وهي منطقة تعتبر من مناطق التغير السريع على سطح الأرض – تطرق إلى أذهانهم الشك في صحة دورة التعرية التي نادي بها المدرسة الديفزية، وذلك لأن سطح الأرض في هذه المنطقة نادرا ما يظل في حالة من الثبات لفترة طويلة تسمح باكتمال الدورة الجيومورفية.
ولكن رغم الحملات العنيفة التي وجهت إلى ديفز إلا أنها لا تقلل بأي حال من أهميته وقيمة الحقائق التي أضافها إلى الدراسة الجيومورفولوجية، والتي ما زالت حتى وقتنا هذا تحمل طابعه وأراؤه.
الاتجاهات الحديثة في الدراسة الجيومورفولوجية
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة اتجاهات جديدة في علم الجيومورفولوجيا يمكن أن نوجها بما يلي:
أولا: الاتجاه بالدراسة الجيومورفولجية – وخصوصا في الولايات المتحدة – لكي تصبح أكثر صلة بعلم الجيولوجيا منها بعلم الجغرافيا ، ويرجع هذا إلى زيادة اعتماد هذه الدراسة على علم الجيولوجيا بشتى فروعه – كما بينا من قبل – كما يرجع كذلك إلى أن الجغرافيين في الفترة الأخيرة يركزون أغلب اهتمامهم على دراسة الانسان ، ولذك قل نصيبهم لدرجة ملحوظة في تطوير الدراسات الجيومورفولوجية.
ثانيا: زيادة الاهتمام بالدراسات الجيومورفولوجية الاقليمية التي تهدف إلى تقسيم القارات إلى أقاليم تتشابه في سماتها الجيومورفية، وفي تاريخا الجيولوجي. وهنا يجب أن يسهم الجغرافيون بأوفر نصيب في تنمية هذا الاتجاه وتقويته، فالجغرافي يهتم في دراساته الأصولية سواء كانت هذه الدراسات جيومورفولوجية، أو مناخية، أو نباتية، أو بشرة – أولا وقبل كل شئ بتوضيح وإبراز مدى التغاير الاقليمي على سطح الأرض في هذه النواحي الأصولية، ولهذا يجب أن يهدف من وراء دراسته الجيومورفولوجية إلى أن يوضح في النهاية كيف أن سطح الأرض ينقسم إلى أنماط وأنواع من حيث تكوينه، ومن حيث صوره التضاريسية، ومن حيث العوامل التي أدت إلى تباين تشكيل قشرة الأرض، وبهذا تختلف الدراسات الجغرافية عن الدراسة الجيولوجية.
ثالثا: الاتجاه نحو إبراز الأهمية النفعية للدراسة الجيومورفولجية، وتطبيق الأسس الجيومورفية على بعض الدراسات في ميادين مختلفة كالدراسة الجيولوجية للمياه الجوفية، ودراسة التربة، والهندسة الجيولوجية.
رابعا: بداية مرحلة الدراسة الاحصائية في علم الجيومورفولوجيا، وهذه المرحلة يجب السير فيها ببطء وحذر حتى لا تطغي النواحي الرياضية والطبيعية والكيماوية على هذا العلم وعندئذ يفقد قيمته كعلم دراسة الأشكال الأرضية . كما ذكر الجيومورفولوجي الفرنس B. Baulig: "أن قوانين الدراسة الجيمومورفولوجية قوانين معقدة ونسبية ويندر أن تعبر عنها أرقام ثابتة". ولهذا من المفضل دائما ألا نتمادى في هذا الاتجاه الكمي الذي لا مناص من أن يعوق تقدم هذه الدراسة اذا ما اهتم الجيومورفولوجيون بالرياضة والطبيعة والكيمياء أكثر من اهتمامهم بالتكوين الصخري والبنية الجيولوجية والتاريخ الجيولوجي والمؤثرات المناخية، وذلك أثناء مناقشاتهم ودراساتهم الجيومورفولوجية.
وعلم الجيومورفولوجيا – كما جاء في قاموس وبستر – هو ذلك الفرع من فروع الجغرافيا الطبيعية الذي يهتم بدراسة شكل الأرض وتضاريس سطحها، وتوزيع اليابس والماء ..الخ، أو قد يهدف إلى دراسة قصة التغيرات التي كانت تطرأ على سطح الأرض خلال الأزمنة والعصور الجيولوجية، وذلك عن طريق تحليل الصور الطبوغرافية واستخلاص النتائج من هذا التحليل.
وتعني الدراسة الجيومورفولوجية في الواقع أكثر ما تعني بدراسة الصور التضاريسية الثانوية كالجبال والهضاب والسهول من حيث نشأتها ووصفها وتوزيعها، أما دراسة المظاهر التضاريسية الرئيسية كالقارات والأحواض فتدخل في صميم الجيولوجيا الديناميكية Dynamic geology.
وجدير بالذكر أن موضوعات علم الجيومورفولوجيا كانت تدخل حتى عهد ليس ببعيد ، في نطاق علم واسع هو علم الفزيوجرافيا Physiography الذي وضع أسسه وأرسى قواعده الجغرافي الأمريكي و. م. ديفز W.M. Davis في سنة 1899 وقد اختلف الجغرافيون وتضاربت أقوالهم بصدد تعريف هذا الفرع من فروع علم الجغرافيا، ومن قائل أن الدراسة الفيزوجرافية إنما يجب أن تشمل نفس الموضوعات التي تضمها الجيومورفولوجيا، إلى قائل بأن مضمونها ومحتواها لا يختلف في قليل أو كثير عن مضمون الجغرافيا الطبيعية ومحتواها، إلى تعريف ثالث شائع في المدارس الجغرافية الاوروبية، وهو أن علم الفزيوجرافيا يجب أن تدخل في دائرته دراسات أخرى عديدة إلى جانب دراسة الصور التضاريسسية كالدراسات المناخية والميتورولوجية، والهيدرولوجية والنباتية والأوقيانوغرافية.. مما جعل دارئتها تتسع كثيرا عن تلك التي حددها ديفز والتي جعلها تقتصر على دراسة مظاهر سطح الأرض . ولهذا السبب بطل استخدام كلمة فزيوجرافيا وخاصة في الولايات المتحدة ، وحلت محلها كلمة جيومورفولوجيا التي ذاع استخدامها وانتشر حتى في المدارس الجغرافية الاوروبية التي كانت تغالي في توسيع نفوذ الدراسة الفزيوجرافية.
على أننا نرى – رغم هذا – من بين الجغرافيين المعاصرين من يحبذ الرجوع إلى استخدام كلمة فزيوجرافيا لتدل على دراسة اشكال الأرض وذلك لسببين رئيسييين:
أولهما: أن الدراسات الميتورولوجية والمناخية، والهيدرولوجية والنباتية قد شهدت من التطور في العقود الأخيرة مما جعلهما تمثل علوما مستقلة لها كيانها المنفصل تماما عن كيان العمل الفزيوجرافي.
ثانيهما: أن دراسة أشكال التضاريس الأرضية ، إنما تستدعي بعض الإلمام أو المعرفة التامة – في بعض الأحيان – بنواحي الدراسات المناخية والنباتية والهيدرولوجية الآنفة الذكر حتى يتحقق الفهم الصحيح والتحليل السليم لهذه الأشكال، وإن كان هذا القول لا يعني أن الدراسة الجيومورفولوجية قاصرة في اعتمادها على هذه الدراسات، إلا أن استخدام كلمة فزيوجرافيا بمدلولها الواسع يجعلها أثر توفقيا كاسم لعلم الأشكال الأرضية.
ومهما كان الاختلاف في تعريف كل من الجيومورفولوجيا والفزيوجرافيا – وهو ذلك الاختلاف الذي مازال مستمرا حتى وقتنا الحالي – إلا أننا نجد أن كلمة جيومورفولوجيا ما زالت أكثر استخداما وشيوعا، ولهذا سنستخدمها كعنوان لهذا الكتاب إلى أن يستقر الجغرافيون على أخد هذين اللفظين.
الجيومورفولوجيا
تعتمد الدراسة الجيومورفولوجية في أساسها اعتمادا كبيرا على علم الجيولوجيا بشتى فروعه.
فعند الكلام عن التركيب الصخري لقشرة الأرض نجد أن لا مفر أمامنا من الاعتماد على علم الطبقات بالاضافة إلى علم الصخور ذاته كما أنه لابد لنا عند دراسة التركيب الصخري لقشرة الأرض أن نلم إلماما عاما بالمعادن المختلفة التي تتكون منها الصخور. وهذا يستدعي بالضرورة اللجوء إلى علم المعادن.
كما أن علم الحفريات الذي يعتبر في الواقع أحد فروع الجيولوجيا التاريخية – (التي تهتم إلى جانب إهتمامها بدراسة العمليات الطويلة التي توالت على كوكب الأرض حتى تكونت قاراته ومحيطاته، تهتم إلى جانب هذا بمعرفة تطور صور الحياة على سطح الأرض سواء كانت حياة نباتية أو حيوانية) – يفيدنا هو الآخر في معرفة أنواع الحفريات التي قد تتكون منها بعض الأنواع الصخرية.
وتعنى الدارسة الجيومورفولوجية إلى جانب هذا بالالمام بنواحي علم الجيولوجيا الطبيعية الذي يهتم بمعرفة الوسائل والعمليات المختلفة التي أسهمت في تشكيل قشرة الأرض.
ومن هذا نرى تلك الصلة الوثيقة بين علمي الجيومورفولوجيا والجيولوجيا. وهي صلة جعلت كلا من الجغرافيين والجيولوجيين على حد سواء يخوضون في موضوعات الجيومورفولوجيا ، ولكن هناك اختلافا واضحا في معالجة كل منهم لهذه الموضوعات، فالجيولوجي ينظر إلى الجيومورفولوجيا على أنها نهاية قصة تطور طويلة، أما الجغرافي فيعتبرها بداية لدراسته، وهو أيضا بحكم تشعب دراسته وتعدد نواحيها يمكنه أن يلم بكل العوامل التي تؤثر في الصور التضاريسية وتتأثر بها، ولو أنه نظرا لعدم تخصصه في أي من هذه الدراسات لا يستطيع الخوض فيها بشئ من التعمق، ولهذا كثيرا ما توصم أبحاثه بالسطحية. ومن هنا كانت ضرورة تضافر جهود الجغرافيين للقيام بأبحاث مثمرة في نطاق الجيومورفولوجيا كل في دائرة تخصصه الذي لا يخرج عن كونه مجرد ميل نحو ناحية معينة من نواحي الدراسة الجغرافية المتشعبة، وحتى إذا انعدم وجود الجغرافي المتخصص في ناحية معينة إلا أنه يمكنه أن يشترك في الدراسات الحقلية الجماعية التي تضم مجموعة كبيرة من المتخصصين في كل النواحي التي تؤثر في دراسة الأشكال الأرضية (المناخ ، النبات، الهيدرولوجيا، ...الخ)، بحيث يقوم الجغرافي بدور المنسق بين هؤلاء المتخصصين بمنهجه العلمي الذي يقوم على ربط عناصر البيئة الطبيعية بعضها ببعض، وإبراز تفاعلها وتداخلها وتأثيرها مجتمعة على شكل التضاريس في إطار إقليمي معين. مثل هذا العمل لا يمكن أن يقوم به الجيولوجي أو عالم المناخ أو غيرهما من المتخصصين بحكم ضيق دوائر تخصصاتهم.
تطور الدراسة الجيومورفولوجية
أولا: في العصور القديمة:
يحسن بنا قبل البدء في دراسة موضوعات علم الجيومورفولوجيا أن نبين أن هذا النوع من الدراسة قد بدئ في الاهتمام به منذ عهد بعيد، إذ أن بعض الظواهر الطبيعية، كالاضطرابات الجوية، وحركة المد والجزر، والثورانات البكرانية حفزت فلاسفة الإغريق والرومان ومفكريهم إلى التأمل في طبيعتها وكنهها فنجد كتابات أرسطو (384-322 ق.م) تعكس بوضوح هذه النزعة التأملية، فقد كان يعتقد مثلا أن لمياه الآبار ثلاثة مصادر:
أ- مياه الأمطار التي تترسب سفليا في باطن الأرض. ب- المياه التي تكونت داخل الأرض نتيجة تكاثف بخار الماء الساخن الذي يوجد في باطنها والذي يبرد عند إقترابه من سطحها. ت- المياه التي تخزن في الصخور ولا تعرف مصادرها.
كما كان يعتقد بأن سقوط الأمطار يؤدي إلى تكوين مسيلات مائية مؤقتة، وفي رأيه أن المياه الجوفية هي المسئولة الى حد كبير عن جريان مياه الأنهار جريانا مستديما، وكل هذه التخمينات التي وصل إليها أرسطو عن طريق التأمل لا تختلف كثيرا عما وصل إلى العلماء في العصر الحديث.
كما نجد أن بوليبيوس Pollybius (210-128 ق.م) يهتم بدراسة كيفية تكون دالات الأنار وكيف أن الأنهار تنحت أوديتها نحتا بطيئا.
كما يعتبر بوسيدونيوس Posodonius (135-50 ق.م) من أحسن الجغرافيين الطبيعيين في بلاد الإغريق ، فقد درس ظاهرة المد والجزر عند قادس في البحر المتوسط، كما قام بقياس أعماق هذا البحر بالقرب من ساحل جزيرة سردينيا.
وحتى كتابات هيرودت (485-425 ق.م) المؤرخ، لم تخل من معلومات جيومورفولوجية، فقد وضح مثلا أهمية الفيضان السنوي لنهر النيل في تجديد خصوبة أراضي مصر الزراعية، كما لاحظ وجود بعض أنواع من الصدف والمحار في أعلى المرتفعات في جهات متفرقة من أرض مصر، وعزا وجودها إلى أن البحر في وقت من الأوقات كان يغظي معظم أنحاء مصر السفلى. وسترابون، الذي جاب أنحاء مصر وايطاليا واليونان وآسيا الصغرى، ووصل في مصر جنوبا حتى مدينة أسوان – قد ذكر هو الآخر أمثلة عديدة لتعرض اليابس في أنحاء كثيرة لحركات مختلفة من الإرتفاع والهبوط ، كما كان أول من قرر أن جبل فزيوفيس بالقرب من نابلي جبل بركاني، وذلك بعد دراسته لتكوين قمته، كما درس دالات الأنهار ولاحظ حركة المد والجزر كثيرا ما تعوق نموها قدما على حساب مياه البحار.
ومن الفلاسفة الذي نحوا منهجا جغرافيا طبيعيا، الفيلسوف سنكا (توفي في سنة 65 م). الذي قام بدراسة الزلازل التي اعتقد أنها ناجمة عن تفاعلا الرياح وتصارعها في باطن الأرض.
ثانيا: في العصور الوسطى وبداية عصر النهضة:
وما أن انتشرت الإضطرابات والفوضى بعد ذلك في أنحاء الإمبراطورية الرومانية الغربية، حتى اختفت المعرفة الجغرافية وتلاشت من عقلية الاوروبيين لفترة طويلة حمل فيها العرب شعلة العلوم والفنون في وقت كانت فيه اوروبا غارفة في ظلمات الجهالة.
فقد درس ابن سينا (980-1037) كيفية تكون الجبال التي قسمها من حيث النشأة إلى قسمين: جبال تكونت نتيجة حركات رافعة كتلك التي تصاحب الزلازل ، وجبال عملت المياه الجارية والرياح على تشكيلها وتغيير معالمها. فكأنه بهذا كان أول من أشار إلى وجود جبال التعرية.
وكان ابن سينا من المؤمنين بأن عملية النحت تتم ببطء شديد للغاية، وتستغرق وقتا طويلا لكي تتم، وهنا يجدر بنا بأن نذكر أن الفكرة التي كانت تسطير على العقول فيما يتصل بنشأة التضاريس الأرضية إبان القرنين السادس عشر والسابع عشر، كانت ترجع التضاريس الأرضية إما أنها خلقت كما هي عليه، أو إلى عوامل فجائية أحدثت تغيرات جوهرية سريعة في سطح الأرض. ويمثل هذا الاحتمال الأخير أساس مبدأ ذاع وانتشر إبان هذه الفترة ألا وهو مبدأت الطفرة Catastrophism، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تتعرض لها الأرض تغيرات سريعة وفجائية، وأن عمر الأرض لا يعدو بضعة ألاف من السنين. ولهذا نجد مثلا أن كبير الأساقفة في إيرلندا يعلن في سنة 1654 أن خلق العالم قد تم في يوم 26 اكتوبر سنة 4004 ق.م. في الساعة التاسعة صباحا!! وقد سادت مثل هذه الظنون التي لا ترقى عن مستوى الحدس والتخمين قرابة قرن من الزمان، وأصبح المسيحيون يعتقدون أن شتى أنواع التكوينات الجيولوجية التي تتمثل على سطح الأرض قد تم بناؤها في فترة لا تتجاوز الستة آلاف عام.
ولا شك أن الدين كان له دخل كبير في تفسير الظاهرات الطبيعية وغير الطبيعية في ذلك الوقت، فقد فسر البعض مثل وجود الركامات الجليدية وغيرها من الرواسب المرتبطة بالعصر الجليدي بأنها تمثل ما تخلف عن فيضان نوح!! كما أعتقد نفر آخر أن الأنهار الخانقية وأوديتها ما هي إلا نتيجة زلازل أرضية أنزلها الله على الكون، والجبال قد برزت بفعل حركات رافعة فجائية وعنيفة.
وقصارى القول أن الاعتقاد بمبدأ الطفرة في ذلك الوقت كان سببا في ألا يلقى العلماء أي بال للعمليات الجيولوجية التي تعمل ببطء مثناه، والتي لا تلاحظ آثارها إلى على مدى فترات طويلة.
ثالث:العصور الحديثة:
وقد استمرت هذه الاعتقادات تسيطر على عقول الناس حقبة من الزمن ليست قصيرة حتى قيض الله لعلم الجيولوجيا عالما وضع أسسه وأرسى قواعده وهو الجيولوجي الاسكتلندي جيمس هاتون J. Hutton، الذي تعد أراؤه بمثابة نقطة تحول خطيرة في الدراسة الجيولوجية ، ولهذا يحسن أن تقسم تطور العلم في الفترة الحديثة إلى ثلاث مراحل على اعتبار أن الفترة التي ظهر فيها هاتون هي الفترة القياسية التي وضعت فيها كل أسس العلم:
1- مرحلة ما قبل هاتون Pre-Huttonian period. 2- مرحلة هاتون Classical era Huttonian. 3- مرحلة ما بعد هاتون Post-Huttonian Period.
أما المرحلة الأولى فقد كانت مرحلة طويلة استمرت زهاء ثلاثة قرون، ولا يتسع المجال لذكر كل أسلاف هاتون الذين أضاءوا له السبيل ومهدوه، بل يكفي أن نذكر منهم: العالم الايطالي الفنان ليوناردو دافنشي (1452-1519) الذي برع في العلوم الطبيعية إلى جانب نبوغه في الفن، فهو الذي وضح كيف أن المجاري المائية هي التي تشق أوديتها وهي التي تنقل المفتتات الصخرية من مكان إلى آخر، وتعتبر لهذا هي العامل الأساسي في تشكيل تضاريس قشرة الأرض، كما أنه كان أول من بين بجلاء ووضوح الأصل العضوي للحفريات وبقايا الحيوان والنبات مما يوجد في الصخور، فقضى بذلك على الأفكار اللاهوتية التي كانت تقول بأن الحفريات تمثل محاولات للخلق من عمل الشيطان!!!
ومن أسلاف هاتون أيضا: الفرنسي بيفون Buffon، الذي نادى بأن الأنهار لها قدرة هائلة على نحت المناطق المرتفعة وتسويتها حتى تصبح في مستوى سطح البحر، ولهذا يعد أول من أشار بطرف أو بآخر إلى وجود مستوى أدنى لعمليات النحت على اليابس.
ومن الذين اهتموا كذلك بدراسة قدرة الأنهار على نحت مجاريها أو شق أوديتها وتكوين سهولها الفيضية: الايطالي ترجيوني توزتي Targioni Tozetti، والفرنسيات جوثار Guethard، وديمرسيه Desmarset.
على أن أهم العلماء الذين ظهرو في فترة ما قبل هاتون كان العالم السويسري دي سوسير De Saussure الذي كان أول من ابتدع كلمة جيولوجيا وأطلقها على علم الأرض الذي يهتم بدراسة صخورها ومعادنها وتضاريسها تمييزا لهاذ العلم الجديد عن عمل الجغرافيا الذي هو عبارة عن وصف الأرض والذي كانت تدخل في نطاقه كافة الدراسات العملية الطبيعية التي استحوذت على اهتمام الانسان. وقد درس دي سوسير الأنهار وحلل قدرتها على النحت والإرساب، كما قام بأباحاث طويلة في جبال الألب السويسرية وبين أن هناك أنهارا جليدية لها هي الأخرى القدرة على النحت وتشكيل سطح الأرض.
أما المرحلة الهاتونية فتعد بحث مرحلة حاسمة في تطور علم الجيولوجيا ، إذ يعد جيمس هاتون (1726-1797) واضع الأسس الأولى لهذا العلم، فقد تقدم بفكرة جديدة كانت الأولى من نوعها هي: "أن الحاضر هو مفتاح لدراسة الماضي وهي التي بنى عليها مبدأت Uniformitatanism أي التغير التدريجي البطئ، ومفاده أن التغيرات الجيولوجية التي تعرض لها سطح الأرض قد تمت بطريقة تدريجية استغرقت فترات طويلة تقدر بملايين السنين ، وليس بالطفرة الفجائية.
وقد ظهرت أراء هاتون مفصلة في كتابه عن "نظرية الأرض" الذي نشر سنة 1795، وقد توخى في هذا المؤلف القيم توضيح العمليات المختلفة التي أسهمت في الماضي ومازالت تسهم في الحاضر في تشكيل سطح الارض وهذه العمليات لا تخرج عن كونها إما عمليات ميكانيكية أو كيميائية، وتؤدي كلها في النهاية إلى نحت التضاريس وخفضها.
ومن كبار الوراد الاوائل الذين وضعوا أسس الجيولوجيا الحديثة أيضا "إبراهام فيرنر Abraham Werner" (1750-1817)، وهو صاحب مدرسة كبيرة كانت تعرف بمدرسة النبتونيين (نسبة إلى اله البحر نبتون) فقد كان من رأيه أن جميع الصخور – رسوبية كانت أم نارية – قد تكونت بفعل عمليات كيميائية في محيط قديم هائل كان يغلف الأرض كلها في العصور السحيقة في القدم. وقد هاجم هاتون هذا الرأي الخاطئ، وبين أن الصخور الجرنيتية مثلا – صخور نارية تكونت أول ما تكونت في أعماق الأرض ثم اندفعت بعد ذلك إلى سطحها وأخذت أشكالات وصورا عديدة، وأنها كثيرا ما تتعرض للتحول والتغير بعد ذلك ، ومن هنا عرفت مدرسة هاتون بمدرسة البلوطونيين (نسبة إلى بلوتو اله عالم ما تحت الأرض)، وقد استمر الجدل والنقاش بين البلوطنيين والبنتونيين فترة طويلة استغرقت النصف الثاني من القرن الثاني عشر.
وقد ظهر أيضا في نفس الحقبة التي عاش فيها هاتون الجيولوجي بلايفير Playfair، الذي درس النظم النهرية دراسة كانت الأولى من نوعها، فهو يرى أن لكل نهر مجرى رئيسيا تغذيه روافد متنوعة تجري في مجاري يتناسب كل منها في اتساعه مع طول النهر الرئيسي وحجمه، وتكون هذه المجاري كلها في النهاية نظاما نهريا متكاملا. ومثل هذه الأنظمة هي المسئولة عن وجود تلك الخطوط العميقة المحفورة على سطح الكرة الأرضية والتي تعرف بالأودية. ويمكننا القول بصفة عامة بأن معظم الأفكار الحديثة التي وضحت الكيفية التي يتم بها تشكيل سطح الأرض قد تضمنها كتاب نظرية الأرض لهاتون وهو الكتاب الذي اهتم فيه مؤلفه أيما اهتمام بدراسة عمليات النحت البحري والنهري.
أما المرحلة التالية لهاتون فقد ظهر فيها عدد غير قليل من الجيولوجيين نذكر منهم على سبيل المثال السير تشارلز لييل Sir Charles lyell (1797-1875)، الذي كان من أشد المتحمسين لمبدأت التغير التدريجي البطئ، ولكنه عارض الرأي الذي نادى به هاتون، وهو أن المجاري المائية هي التي تنحت أوديتها، وذكر أنه من المحتمل أن يكون قد تم حفر الاودية النهرية الكبيرة بفعل الأمطار والمياه الجارية، ولكن مما لا شك فيه أن بعض الحركات الباطنية تسهم هي الأهرى في زيادة سرعة عملية الحفر خلال بعض مراحل تكون هذه الأودية.
كما أن لوي أجاسز L. Agssiz (1807-1873)، كان أول من ذكر بأن الجزء الشمالي من اوربات تركمنت فوقه أثناء عصر البلايستوسين غطاءات جليدية ، وهو الذي أطلق على الفترة التي تم فيها تكون هذه الغطاءات اسم العصر الجليدي وقد درس رامزي A. Ramssy (1814-1891)، الجيولوجي الانجليزي عمليات التعرية البحرية دراسة دقيقة لم يسبقه إليها أحد.
أما في الولايات المتحدة فقد ظهر عدد كبير من الجيومورفولوجيين منهم "باول J. W. Powell" وجلبرت G. K. Gilbert، وداتن C. D. Dutton ، وقد اهتم باول بتصنيف التضاريس الأرضية على أساس عامل التركيب الجيولوجي، كما قام بدارسة منطقة الانكسارات في هضات كولورادو، ويونيتا في جنوب غرب الولايات المتحدة ، وقسم أودية الأنهار إلى مجموعتين كبيرتين: أودية ترتبط ارتباطا وثيقا في شكلها واتجاهاتها بالطبقات التي تخترفها، وأودية أخرى تتشابه فيما بينها من حيث النشأة: فهنالك أودية سالفة Antecedent وأودية رئيسية Consequent وأودية منطبعة Superimposed ، وكل هذه المصطلحات شاع استخدامها بعد ذلك وأصبحت تستخدم حتى وقتنا لحالي. وقد كان باول أول من أطلق الاصطلاح المعروف بمستوى القاعدة Base level على المستوى الأدنى الذي تصل إليه عملية النحت التي لابد أن تنتهي إليه إذا ما استمرت تعمل دون توقف ودون تدخل عوامل أخرى باطنية مما يؤدي غلى تحول المنطقة المنضرسة إلى سهل منخفض يعلو قليلا فوق مستوى سطح البحر وهذا السهل المنخفض هو الذي أطلق عليه ديفيز فيما بعد اسم السهل Peneplain.
أما جلبرت فيعد بحق أول جيوموروفولوجي ظهر في الولايات المتحدة ، وقد اهتم بدراسة العمليات الجيومورفية المعقدة سواءتلك التي تسببها العوامل الجوية أو المائية أو الجليدية أو الباطينة، كما قام بدراسات طويلة في منطقة هضبة الحوض العظيم في الولايات المتحدة ،خرج منها بأن بحيرة جريت سولت ليك كانت خلال عصر البلايستوسين أكثر مساحة واتساعا مما هي عليه الآن، وقد أطلق على البحيرة البلايستوسينة القديمة اسم بحيرة بنفيل Bonneville. وتعتبر دراسة جلبرت للشواطئ القديمة لهذه البحيرة أول دراسة جيومورفولوجية دقيقة في الولايات المتحدة.
وترجع أهمية دات إلى دقته في تحليل الصور التضاريسية، والى ما وصل إليه من نتائج عند دراسته لمنطقة كولورادو، فقد ذكر أن هضبة كولورادو قد تعرضت لحركة هبوط قبل أن يشق نهر كولورادو خانقه العظيم خلالها، وإلى أنه كان أول من لفت الأنظار إلى ظاهرة التوازن الأرض Isostasy.
ويمكننا أن نلاحظ من عرضنا السابق لتطور الدراسة الجيومورفولوجية أن الجيولوجيين وحدهم هم الذين احتكروا هذه الدراسة، ولكن هذا لا يعني أن الجغرافيين لم يكن لهم نصيب في تطويرها. فمنذ بداية الاهتمام بعلم الجغرافيا كان الاتجاه الأول هو دراسة شتى المظاهر الأرضية، ويظهر هذا بجلاء واضح في كتابات أساطين هذا العمل القدامى مثل "كانت E. Kant" و "هامبولت Hambolt" و "ريتر K. Ritter" الذين ضربوا بسهم وافر في تطوير الدراسة الجغرافية بالمعنى الذي نفهمه الآن، بل كانت تدور حول الانسان فنجد كانت مثلا يعتبر الانسان بمثابة أحد العوامل الخمسة التي تشكل في سطح الأرض، إذ اعتبره متشابها في تأثيره على قدم وساق مع الهواء والمياه الجارية والجليد والنبات والحيوان، وهذا دليل على أن الجغرافيا الطبيعية التي كانت تعرف خلال القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر لم تكن طبيعية بالمعنى الذي نفهمه الآن، أي تهتم بدراسة المظاهر الطبيعية الأرضية في حد ذاتها.
وفي خلال فترات تطور علم الجغرافيا نجد أن الفترة التي استمرت من 1870-1882 كانت بمثابة رد فعل لدراسة ريتر وأتباعه التي كانت تنحو اتجاها تاريخيا ، فقد ظهر فيها ميل قوي واضح نحو الجغرافيا العلمية. وهكذا تحول اتجاه علم الجغرافيا من دراسة الانسان إلى دراسة مورفولوجية الأشكال الأرضية ووصف أنواع التضاريس. وقد كانت الأستاذ أوسكار بشل O. Peschel من السابقين في هذا الاتجاه، فهو الذي قاد الجغرافيين منذ 1870 نحو دراسة مورفولوجية سطح الأرض وصوره التضاريسسية، ويعتبر في الواقع أول من أرسى قواعد علم الجيومورفولوجيا . ومن رأيه أن الجغرافي عليه أن يبحث عن الظارهات التضاريسسية المتشابهة في جهات العالم المختلفة ثم يقارنها من حيث نشأته وتوزيعها مستعينا في ذلك بخرائط ذات مقاييس كبيرة.
وقد سار على خطى بشل ثلاثة من أساطين الجغرافيا الطبيعية بدأو دراستهم كجيولوجيين وهو "ريشتوفن F. V. Richthofen" و"بنك W. Penck" و"ديفز W. M. Davis" وقد اهتم أولهم بالدراسات الجغرافية الطبيعية المقارنة وبتقسيم العالم إلى أقاليم فزيوجغرافية. كما قام بدراسة بلاد الصين دراسة جيولوجية وجيومورفولوجية لا يزال بعض الجيولوجيين المعاصرين يتخذونها أساسا لدراساتهم الحديثة. أما بنك فقد اهتم بدراسة مورفولوجية سطح الأرض بالاضافة إلى تخصه في الدراسات الجليدية وأثر عوامل التعرية الجليدية في تشكيل سطح الأرض.ط
أما وليام موريس ديفز فقد وصل باتجاه بشل المورفولوجي إلى منتهاه عندما درس عملية النحت النهري وقسم مراحل التطور النهري إلى المراحل الثلاث المعروفة: مرحلة الشباب، ومرحلة النضج، ومرحلة الشيخوخة – وإن دل هذا التقسيم على شئ فهو يدل على تأثره بالنظرية الدارونية للتطور – هذا وقد أطلق ديفز على هذه المراحل اسم دورة التعرية العادية، وهي التي جعلت منه صاحب مدرسة جيومورفولوجية في الولايات المتحدة كانت على اتصال وثيق بتطور العلم في ألمانيا، وبالأستاذ بنك بصفة خاصة، فقد حاضر ديفز بجامعة برلين لمدة سنة ، كما حاضر بنك في جامعتي كولومبيا وييل بالولايات المتحدة لنفس المدة.
ويمكن القول بصفة عامة بأن الدراسات الخاصة بمورفولوجية الأرض – وهي التي بدأها بشل – شاعت بين الجغرافيين في تلك الفترة لدرجة أن الغالبية العظمى منهم اقتصرت دراساتهم الجغرافية عليها مما أدى إلى طغيان النزعة الجيومرفولوجية طغيانا كبيرا على مجال البحث الجغرافي ، ولا يزال أثر هذا واضحا تمام الوضوح في بعض الجامعات حتى وقتنا هذا.
وقد بالغ البعض في هذا الاتجاه الجيومورفولوجي حتى خرجو عن ميدان الدراسة الجغرافية التي اعتبرها علم الأرض Erdkunde ، ولهذا يجب أن تكون علما بالمعنى الحقيقي له قوانين ثابتة، ومن ثم ينبغي أني يستبعد الإنسان منها استبعادا كليا على أساس أن الإنسان لا يمكن أن تتناول دراسته وفق قوانين موضوعة ثابتة، وعلى أساس أن الدراسات الإنسانية في حد ذاتها لا تفيدنا في معرفة الأرض نفسها، محور الدراسة الجغرافية. وخلاصة الكلام أن الحركة المورفولوجية التي بدأها بشل قد أسفرت عن حقيقة هامة ألا وهي الاهتمام بالناحية الطبيعية وإهمال الناحية البشرية في الدراسات الجغرافية.
ديفز وبنك:
وفي أثناء العقدين الأولين من القرن العشرين انتشرت آراء ديفز انتشارا كبيرا وكان لها الكثير من المؤيدين والمعارضين على السواء، ومما يستحق الذكر أنه رغم الصلة المستمرة التي كانت قائمة بين بنك وديفز إلى أن بنك وأتباعه حملوا حملة كبيرة على دورة التعرية كما وضحها ديفز، وقد بلغت هذه الحملة أوجها إبان العقد الثالث من القرن العشرين.
فقد اعتقد ديفز بأن دورة التعرية التي تسببها المياه الجارية تبدأ في الغالب بحركات رافعة سريعة تتعرض لها المنطقة، وتنتهي بفترة ثبات تام تؤدي إلى إتمام هذه الدورة واكتمالها وتصبح المنطقة المتضرسة في النهاية عبارة عن سهل تحاتي ينعدم فيه التضرس. ولكن بنك وأتباعه عارضوا هذا الرأي وبينوا أن تتابع مراحل الدورة الجيومورفية لا يتم على هذا النحو الذي بينه ديفز إذ أن هذه الدورة – في نظرهم – تبدأ في المعتاد بتعرض المنطقة لحركات رافعة متناهية في البطء تزداد سرعة بعد ذلك مما يحول دون مرور المنطقة بالمراحل التي تحولها إلى شبه سهل منخفض. كما أن عددا آخر من الجيولوجيين الأمريكيين الذين تخصصوا في دراسة ساحل أمريكا الغربي – وهي منطقة تعتبر من مناطق التغير السريع على سطح الأرض – تطرق إلى أذهانهم الشك في صحة دورة التعرية التي نادي بها المدرسة الديفزية، وذلك لأن سطح الأرض في هذه المنطقة نادرا ما يظل في حالة من الثبات لفترة طويلة تسمح باكتمال الدورة الجيومورفية.
ولكن رغم الحملات العنيفة التي وجهت إلى ديفز إلا أنها لا تقلل بأي حال من أهميته وقيمة الحقائق التي أضافها إلى الدراسة الجيومورفولوجية، والتي ما زالت حتى وقتنا هذا تحمل طابعه وأراؤه.
الاتجاهات الحديثة في الدراسة الجيومورفولوجية
وقد ظهرت في السنوات الأخيرة اتجاهات جديدة في علم الجيومورفولوجيا يمكن أن نوجها بما يلي:
أولا: الاتجاه بالدراسة الجيومورفولجية – وخصوصا في الولايات المتحدة – لكي تصبح أكثر صلة بعلم الجيولوجيا منها بعلم الجغرافيا ، ويرجع هذا إلى زيادة اعتماد هذه الدراسة على علم الجيولوجيا بشتى فروعه – كما بينا من قبل – كما يرجع كذلك إلى أن الجغرافيين في الفترة الأخيرة يركزون أغلب اهتمامهم على دراسة الانسان ، ولذك قل نصيبهم لدرجة ملحوظة في تطوير الدراسات الجيومورفولوجية.
ثانيا: زيادة الاهتمام بالدراسات الجيومورفولوجية الاقليمية التي تهدف إلى تقسيم القارات إلى أقاليم تتشابه في سماتها الجيومورفية، وفي تاريخا الجيولوجي. وهنا يجب أن يسهم الجغرافيون بأوفر نصيب في تنمية هذا الاتجاه وتقويته، فالجغرافي يهتم في دراساته الأصولية سواء كانت هذه الدراسات جيومورفولوجية، أو مناخية، أو نباتية، أو بشرة – أولا وقبل كل شئ بتوضيح وإبراز مدى التغاير الاقليمي على سطح الأرض في هذه النواحي الأصولية، ولهذا يجب أن يهدف من وراء دراسته الجيومورفولوجية إلى أن يوضح في النهاية كيف أن سطح الأرض ينقسم إلى أنماط وأنواع من حيث تكوينه، ومن حيث صوره التضاريسية، ومن حيث العوامل التي أدت إلى تباين تشكيل قشرة الأرض، وبهذا تختلف الدراسات الجغرافية عن الدراسة الجيولوجية.
ثالثا: الاتجاه نحو إبراز الأهمية النفعية للدراسة الجيومورفولجية، وتطبيق الأسس الجيومورفية على بعض الدراسات في ميادين مختلفة كالدراسة الجيولوجية للمياه الجوفية، ودراسة التربة، والهندسة الجيولوجية.
رابعا: بداية مرحلة الدراسة الاحصائية في علم الجيومورفولوجيا، وهذه المرحلة يجب السير فيها ببطء وحذر حتى لا تطغي النواحي الرياضية والطبيعية والكيماوية على هذا العلم وعندئذ يفقد قيمته كعلم دراسة الأشكال الأرضية . كما ذكر الجيومورفولوجي الفرنس B. Baulig: "أن قوانين الدراسة الجيمومورفولوجية قوانين معقدة ونسبية ويندر أن تعبر عنها أرقام ثابتة". ولهذا من المفضل دائما ألا نتمادى في هذا الاتجاه الكمي الذي لا مناص من أن يعوق تقدم هذه الدراسة اذا ما اهتم الجيومورفولوجيون بالرياضة والطبيعة والكيمياء أكثر من اهتمامهم بالتكوين الصخري والبنية الجيولوجية والتاريخ الجيولوجي والمؤثرات المناخية، وذلك أثناء مناقشاتهم ودراساتهم الجيومورفولوجية.
الثلاثاء أكتوبر 09, 2018 10:18 am من طرف خالد
» إعداد رسالة الدكتوراه من البداية حتى نيل الدرجة
الثلاثاء أكتوبر 09, 2018 10:14 am من طرف خالد
» اريد مخطط مدينة مصراتة
الثلاثاء أبريل 10, 2018 6:38 pm من طرف سنيمار احمد
» رسالة دكتوراه بعنوان ميناء طرابلس (ليبيا) دراسة في جغرافية النقل
الثلاثاء يناير 10, 2017 10:19 pm من طرف مول البال
» تعريف الجيومورفولوجيا
الإثنين يونيو 27, 2016 12:56 am من طرف خالد
» صفات الباحث واسس اختيار موضوع البحث
السبت أبريل 09, 2016 7:27 pm من طرف خالد
» الأطلس التعليمي لمرحلة التعليم الاساسي - ليبيا
السبت أبريل 09, 2016 7:25 pm من طرف خالد
» عناوين رسائل الماجستير الجغرافيا المسجلة في الجامعات الليبية حتى شهر12سنة2009م- جغرافية ليبيا.
الثلاثاء مارس 29, 2016 9:10 pm من طرف مول البال
» المساعدة في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراة والبحوث العلمية
الخميس مارس 17, 2016 12:57 am من طرف ايثران
» رسالة ماجستير التحليل المكاني و الوظيفي للخدمات التعليمية في مدينة سوران بأستخدام نظم المعلومات الجغرافية ـ جامعة صلاح الدين
الخميس مارس 17, 2016 12:52 am من طرف ايثران
» كتاب جغرافية النقل د. محمد رياض
الأحد مارس 06, 2016 10:53 pm من طرف مول البال
» ليبيا تطور المدن و التخطيط الحضري-- علي الميلودي عمورة
السبت ديسمبر 12, 2015 2:06 pm من طرف خالد