اصبحت دراسة المناخ في العصر الحاضر، لما لها من نتائج علمية تعتمد عليها دراسات وأبحاث متعددة، ولما لها من فوائد عملية يمكن تطبيقها في شتى مجالات النشاط البشري، وتختص مع علم الجيومورفولوجيا في عرض التحليل الجغرافي للبيئة الطبيعية التي يعيش فيها الإنسان.
وتهتم الجغرافيا المناخية بدراسة الغلاف الجوي Atmosphere، الذي يحيط بالكرة الأرضية عامة وبقسمه الأسفل الذي يلامس سطح الأرض خاصة، وما ينتج عن تفاعل الغلاف الجوي (تبعاً لسقوط الأشعة الشمسية على سطح الأرض ومرورها عبر الغلاف الجوي) مع الأغلفة الطبيعية الأخرى للكرة الأرضية، التي تتمثل في الغلاف المائي Hydrosphere، والغلاف الصخري Lithosphere، والغلاف الحيوي Bio - Sphere (خاصة الغلاف النباتي)، مما يؤدي إلى تنوع كبير في درجات حرارة الهواء الملامس للأجزاء المختلفة من سطح الأرض، ومن ثم يختلف مقدار الضغط الجوي، واتجاه الرياح، وسرعتها، وكمية الأمطار الساقطة، واختلافها من جزء إلى آخر على سطح الأرض. وتبعاً لتنوع هذه العناصر المناخية Climatic Elements، تتنوع حالة المناخ Climatic Condition من مكان إلى آخر على سطح الأرض.
ومما سبق يتضح أن علم المناخ يهتم بدراسة حالة العناصر الجوية في منطقة ما على سطح الأرض، عن طريق حساب متوسطاتها، ومتغيراتها، وقيمها، خلال مدة لا تقل عن 35 سنة. لذا يختلف علم المناخ عن علم الأرصاد الجوية والطقس .
علم المناخ التطبيقي Applied Climatology، أصبح من بين العلوم الجغرافية ذات الأهمية العلمية في حياة الإنسان ومنها:
أ. المناخ والنبات الطبيعي
تؤثر الظروف المناخية تأثيراً مباشراً في تشكيل النباتات الطبيعية على سطح الأرض، وفي تنوع تلك الغطاءات النباتية من مكان إلى آخر. وهناك تشابه وتوافق شديد بين كل من الأقاليم المناخية والأقاليم النباتية، وذلك لأن الأقاليم النباتية هي انعكاس للظروف المناخية السائدة، فتكاد تتفق أبعاد نطاقات الغابات الاستوائية مثلاً مع الأقاليم المناخية الاستوائية، وفي المناطق، غزيرة الأمطار، مرتفعة الحرارة، تزداد كثافة الغطاءات النباتية، وتعلو الأشجار الضخمة، وتتشابك أغصانها، وتتميز بسرعة نموها، وتقل الأشجار حجماً، وتقل كثافتها، وتتباعد عن بعضها بعضاً، مع تدني كمية الأمطار السنوية الساقطة (خاصة في العروض المدارية).
ب. المناخ والزراعة
ترتبط الأعمال الزراعية ارتباطاً وثيقاً بالخصائص الطقسية والمناخية، ولا يخفى على أحد أثر كل من الإشعاع الشمسي Insolation، والرطوبة Moisture، والرياح Wind، وحدوث الصقيع Frost، والندى Dew، والبّرد Hail، على نمو النبات أثناء مراحل النمو المختلفة. ومن ثم ظهر علم جديد هو المتيورلوجيا الزراعية، وعلم المناخ الزراعي، ويتناول الأخير دراسة أثر العوامل المناخية، التي لها دور بارز في مراحل نمو النبات Phenology، وتلك التي تحدث فترات إعداد الأرض للزراعة، ومواعيد الإزهار، ونضج الثمار، وخصائص الدورة الزراعية، وجمع المحاصيل، وطرق الري، ومواعيدها، وطرق الصرف.
ج. المناخ والإنتاج الحيواني
يرتبط التوزيع الجغرافي للحيوانات بتغير الأقاليم المناخية على سطح الأرض، ويكاد يكون لكل إقليم مناخي حيواناته وطيوره الخاصة، لذا تضطر الحيوانات والطيور البرية إلى القيام بالهجرة الفصلية تبعاً لتغير الظروف المناخية.
وتبعاً لتنوع الظروف المناخية تتنوع المراعي الطبيعية، ففي مناطق السافانا في العروض المدارية تسود حرفة رعي الأبقار والماشية، وتتمثل في الصحاري الحارة ـ حيث تقل الموارد المائية ـ حرفة رعي الجمال والماعز وبعض الأغنام، ويسود في سهول الاستبس الاستوائية حرفة رعي الخيول إلى جانب تربية الضأن.
وقد أكدت الدراسات أن الأبقار التي تُربى في الأقاليم المعتدلة، والمعتدلة الباردة، تعد أكبر حجماً ووزناً من تلك الأبقار التي تربى في المناطق المدارية. كما أن أغنام المناطق المعتدلة الباردة تحمل عادة من اللحم والدهن والشحم والصوف ما يفوق أضعاف تلك التي تربى في المناطق شبه الجافة.
د. المناخ والصناعة
استخدم لاندسبرج Landsberg مصطلح علم المناخ التكنولوجي Technoclimatolgy، ليوضح أهمية الظروف المناخية في كثير من الأعمال الصناعية والهندسية. وأكد بأن المناخ من العوامل الرئيسية، التي تؤثر في اختيار مواقع المصانع ومراكز الإنتاج المختلفة. فعلى سبيل المثال، تتركز صناعة الطائرات وصناعة السينما في القسم الغربي من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تزداد عدد ساعات شروق الشمس، إلى جانب ندرة حدوث الضباب واعتدال المناخ. كذلك تتركز صناعة المنسوجات القطنية في لانكشير (بريطانيا) حيث المناخ المعتدل ذو الرطوبة المرتفعة. وكذلك الحال في دلتا جمهورية مصر العربية، حيث تتركز تلك الصناعة لارتفاع الرطوبة.
ويؤكد راسيل بأن نتائج التجارب أوضحت انخفاض معدل إنتاجية العمال بنسبة 75 %، إذا ما ارتفعت درجة الحرارة إلى 30 درجة مئوية، أو إذا انخفضت عن 20 درجة مئوية. وتنعدم القدرة الإنتاجية عند درجة الحرارة 49 درجة مئوية.
هـ. المناخ وطرق النقل
تتأثر حركات النقل البرية، والجوية، والبحرية، بالظروف المناخية المتنوعة. إذ تتأثر سلامة الحركة على طرق النقل البري بتغير الظروف الطقسية. فكثيراً ما تزيد حوادث السيارات عندما يشتد الضباب Fog، وتسوء الرؤية.
ويهتم المتخصصون عند اختيار مواقع المطارات بالأماكن، التي لا تتعرض لحدوث الضباب بكثرة، ولا تتأثر بحدوث الزوابع والأعاصير أو تتعرّض لأخطار سقوط الثلج. ولا تستغني الملاحة الجوية عن بيانات الطقس وذلك تأميناً لسلامة حركات الطيران.
ويلزم الملاحين البحريين الإلمام بالتغيرات الطقسية أثناء القيام بالإبحار، من اتجاه الرياح، وسرعتها، ومواعيد حدوث العواصف، والأعاصير، وأثر ذلك على حالة البحر.
و. المناخ وصحة الإنسان
قسم الباحثون في علم المناخ الطبي Medical Climatology، أنواع الأمراض حسب الظروف المناخية الممثلة في كل أقاليم العالم المختلفة. فهناك أمراض المناطق الحارة الرطبة، وأمراض المناطق الباردة، وأمراض المناطق الجبلية. فتنتشر الأنفلونزا وأمراض الحنجرة وفقر الدم (الأنيميا) في المناطق الباردة، والملاريا والحمى الصفراء والكوليرا والتيفود والدوسنتاريا في المناطق المدارية الحارة الرطبة، ومرض النوم بسبب ذبابة تسي تسي في المناطق الاستوائية، كما تؤثر العواصف الرملية في انتشار أمراض العيون خاصة الرمد الربيعي. هذا إضافة إلى تلوث الهواء Air Pollution، (خاصة عندما يصاحب ذلك حدوث الضباب)، وأثر ذلك على صحة الإنسان. فعندما ترتفع درجة تلوث الهواء بالأتربة، والدخان، والمواد الغازية السامة يصبح الهواء، الذي يستنشقه الإنسان بالغ الخطورة على حياته، وقد أدى ذلك إلى مصرع الآلاف من سكان مدينة لندن عندما تعرضت لحدوث الضباب الأسود الملوث بالأتربة والغازات سنة 1902، لذا اهتم هدجسون Hodgson ، بدراسة أثر تلوث هواء مدينة نيويورك بغازات ثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، فوق المناطق الصناعية وأثرها في زيادة نسبة الوفيات.
ز. المناخ والجريمة
هناك ارتباط وثيق بين درجة الحرارة، وأنواع الجرائم، ونسبتها، إذ تختلف نسبة الجرائم من منطقة إلى أخرى باختلاف درجات الحرارة، فجرائم العنف تزداد في المناطق والفصول الحارة وتنخفض في الفصول الباردة، في حين تزداد جرائم الأموال في المناطق والفصول الباردة. ويزداد معدل الجريمة بالاقتراب من خط الاستواء، بينما تزداد جرائم المسكرات بالاقتراب من القطبين.
ح. المناخ وفن العمارة
يختلف تصميم نماذج بناء المساكن في المناطق، التي تستقبل كميات كبيرة من الأمطار والثلج (تكون الأسقف هرمية الشكل) عن تلك، التي تتمثل في المناطق الحارة الجافة (الأسقف أفقية أو مستوية الامتداد). كما أن المباني في المناطق المعتدلة، والمعتدلة الباردة، تتباعد عن بعضها بعضاً وشوارعها واسعة، لتسمح بأكبر قدر من الأشعة الشمسية بدرجل المنازل. أمّا المناطق الحارة الجافة فتكون المساكن متقاربة، وشوارعها غالباً ما تكون ضيقة، حتى ينعم السكان بأكبر قسط من الظلال. ويعمل المتخصصون على اختيار الموقع المناسب لبناء المنازل واختيار أنسب الاتجاهات لواجهتها، وذلك تبعاً لزوايا سقوط الأشعة الشمسية واتجاه هبوب الرياح وتنوع الظروف الطقسية.
الأهمية الجيوستراتيجية لعلم المناخ
للمناخ أهمية جيوستراتيجية، يقدرها بحق المخططون لسير المعارك الحربية. وأصبح من بين أعمال سلاح الإشارة في الجيوش المتقدمة رصد العناصر الجوية وتسجيلها أولاً بأول، لخدمة القوات الجوية، والبحرية، والبرية. ويذكرنا التاريخ بأن من أسباب فشل حملة نابليون بونابرت على الأراضي الروسية قسوة الظروف المناخية الشتوية لهذه البلاد وما تعرض له جنوده من البرد القارس والثلج الساقط، وأصبحت تحركاتهم مشلولة تحت هذه الظروف المناخية. ويحكي التاريخ قصصاً عديدة توضح أثر الظروف الجوية في نجاح المعارك أو فشلها. فقد فشل الفرنجة في درجل دمياط سنة 1218م بسبب الظروف الجوية القارسة. وتكررت هذه الظروف أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اجتاحت جيوش الألمان الأراضي البولندية خلال فترة انقطاع الأمطار، ومن ثم أحسنوا استخدام وحداتهم الميكانيكية في الهجوم. واجتازت البوارج الألمانية مضيق دوفر الحصين خلال يوم ملبد بالغيوم فلم يستطع السلاح البريطاني إيقاف الهجوم الألماني. وعلى ذلك تؤدي الظروف الطقسية دوراً بارزاً في سير المعارك الحربية، فقد يكون من الصعب القيام بالهجوم الجوي أثناء حدوث العواصف والأعاصير، أو عند حدوث الضباب الكثيف وسوء حالة الرؤية. في حين قد يختار رجال الصاعقة مثل هذه الظروف المناخية الصعبة للعمل خلف خطوط العدو، وقبل هبوط رجال المظلات في المناطق المختارة لهم، وعند تقدم الآليات العسكرية والدبابات، ينبغي أن يكون القائد العسكري على معرفة تامة بالظروف الطقسية، التي تعرقل من إتمام قيام هذه العمليات العسكرية بالنجاح المطلوب. ولذلك لم يكن غريباً أن تكون أعمال الأرصاد الجوية تابعة لإشراف جيش الولايات المتحدة الأمريكية، وأن يكون لجيوش بعض الدول المتقدمة، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، هيئات خاصة بالجيش من وظيفتها إعداد الخرائط الطقسية التي تلزم وحدات الجيش المختلفة.
ومما سبق يتضح أن علم المناخ يُعد من أكثر العلوم الجغرافية، التي تهم الباحثين والعاملين في مجال العلوم الأخرى. كما أتضح أن كثيراً من الموارد الطبيعية والبشرية ونشاطات الإنسان تتأثر هي الأخرى بالظروف والأحوال الجوية.
ونظراً للارتباط الكبير بين كل من الغلاف الجوي والإشعاع الشمسي، وبين الظواهر المناخية، التي تحدث على سطح الأرض والحياة عليها، ولكي يمكن أدراك هذا الارتباط، تأتي دراسة الغلاف الجوي من حيث تركيبه، وأقسامه، وبعض الظاهرات الجوية، التي تتحكم في توزيع المناخ على سطح الأرض.
_________________
وتهتم الجغرافيا المناخية بدراسة الغلاف الجوي Atmosphere، الذي يحيط بالكرة الأرضية عامة وبقسمه الأسفل الذي يلامس سطح الأرض خاصة، وما ينتج عن تفاعل الغلاف الجوي (تبعاً لسقوط الأشعة الشمسية على سطح الأرض ومرورها عبر الغلاف الجوي) مع الأغلفة الطبيعية الأخرى للكرة الأرضية، التي تتمثل في الغلاف المائي Hydrosphere، والغلاف الصخري Lithosphere، والغلاف الحيوي Bio - Sphere (خاصة الغلاف النباتي)، مما يؤدي إلى تنوع كبير في درجات حرارة الهواء الملامس للأجزاء المختلفة من سطح الأرض، ومن ثم يختلف مقدار الضغط الجوي، واتجاه الرياح، وسرعتها، وكمية الأمطار الساقطة، واختلافها من جزء إلى آخر على سطح الأرض. وتبعاً لتنوع هذه العناصر المناخية Climatic Elements، تتنوع حالة المناخ Climatic Condition من مكان إلى آخر على سطح الأرض.
ومما سبق يتضح أن علم المناخ يهتم بدراسة حالة العناصر الجوية في منطقة ما على سطح الأرض، عن طريق حساب متوسطاتها، ومتغيراتها، وقيمها، خلال مدة لا تقل عن 35 سنة. لذا يختلف علم المناخ عن علم الأرصاد الجوية والطقس .
علم المناخ التطبيقي Applied Climatology، أصبح من بين العلوم الجغرافية ذات الأهمية العلمية في حياة الإنسان ومنها:
أ. المناخ والنبات الطبيعي
تؤثر الظروف المناخية تأثيراً مباشراً في تشكيل النباتات الطبيعية على سطح الأرض، وفي تنوع تلك الغطاءات النباتية من مكان إلى آخر. وهناك تشابه وتوافق شديد بين كل من الأقاليم المناخية والأقاليم النباتية، وذلك لأن الأقاليم النباتية هي انعكاس للظروف المناخية السائدة، فتكاد تتفق أبعاد نطاقات الغابات الاستوائية مثلاً مع الأقاليم المناخية الاستوائية، وفي المناطق، غزيرة الأمطار، مرتفعة الحرارة، تزداد كثافة الغطاءات النباتية، وتعلو الأشجار الضخمة، وتتشابك أغصانها، وتتميز بسرعة نموها، وتقل الأشجار حجماً، وتقل كثافتها، وتتباعد عن بعضها بعضاً، مع تدني كمية الأمطار السنوية الساقطة (خاصة في العروض المدارية).
ب. المناخ والزراعة
ترتبط الأعمال الزراعية ارتباطاً وثيقاً بالخصائص الطقسية والمناخية، ولا يخفى على أحد أثر كل من الإشعاع الشمسي Insolation، والرطوبة Moisture، والرياح Wind، وحدوث الصقيع Frost، والندى Dew، والبّرد Hail، على نمو النبات أثناء مراحل النمو المختلفة. ومن ثم ظهر علم جديد هو المتيورلوجيا الزراعية، وعلم المناخ الزراعي، ويتناول الأخير دراسة أثر العوامل المناخية، التي لها دور بارز في مراحل نمو النبات Phenology، وتلك التي تحدث فترات إعداد الأرض للزراعة، ومواعيد الإزهار، ونضج الثمار، وخصائص الدورة الزراعية، وجمع المحاصيل، وطرق الري، ومواعيدها، وطرق الصرف.
ج. المناخ والإنتاج الحيواني
يرتبط التوزيع الجغرافي للحيوانات بتغير الأقاليم المناخية على سطح الأرض، ويكاد يكون لكل إقليم مناخي حيواناته وطيوره الخاصة، لذا تضطر الحيوانات والطيور البرية إلى القيام بالهجرة الفصلية تبعاً لتغير الظروف المناخية.
وتبعاً لتنوع الظروف المناخية تتنوع المراعي الطبيعية، ففي مناطق السافانا في العروض المدارية تسود حرفة رعي الأبقار والماشية، وتتمثل في الصحاري الحارة ـ حيث تقل الموارد المائية ـ حرفة رعي الجمال والماعز وبعض الأغنام، ويسود في سهول الاستبس الاستوائية حرفة رعي الخيول إلى جانب تربية الضأن.
وقد أكدت الدراسات أن الأبقار التي تُربى في الأقاليم المعتدلة، والمعتدلة الباردة، تعد أكبر حجماً ووزناً من تلك الأبقار التي تربى في المناطق المدارية. كما أن أغنام المناطق المعتدلة الباردة تحمل عادة من اللحم والدهن والشحم والصوف ما يفوق أضعاف تلك التي تربى في المناطق شبه الجافة.
د. المناخ والصناعة
استخدم لاندسبرج Landsberg مصطلح علم المناخ التكنولوجي Technoclimatolgy، ليوضح أهمية الظروف المناخية في كثير من الأعمال الصناعية والهندسية. وأكد بأن المناخ من العوامل الرئيسية، التي تؤثر في اختيار مواقع المصانع ومراكز الإنتاج المختلفة. فعلى سبيل المثال، تتركز صناعة الطائرات وصناعة السينما في القسم الغربي من ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تزداد عدد ساعات شروق الشمس، إلى جانب ندرة حدوث الضباب واعتدال المناخ. كذلك تتركز صناعة المنسوجات القطنية في لانكشير (بريطانيا) حيث المناخ المعتدل ذو الرطوبة المرتفعة. وكذلك الحال في دلتا جمهورية مصر العربية، حيث تتركز تلك الصناعة لارتفاع الرطوبة.
ويؤكد راسيل بأن نتائج التجارب أوضحت انخفاض معدل إنتاجية العمال بنسبة 75 %، إذا ما ارتفعت درجة الحرارة إلى 30 درجة مئوية، أو إذا انخفضت عن 20 درجة مئوية. وتنعدم القدرة الإنتاجية عند درجة الحرارة 49 درجة مئوية.
هـ. المناخ وطرق النقل
تتأثر حركات النقل البرية، والجوية، والبحرية، بالظروف المناخية المتنوعة. إذ تتأثر سلامة الحركة على طرق النقل البري بتغير الظروف الطقسية. فكثيراً ما تزيد حوادث السيارات عندما يشتد الضباب Fog، وتسوء الرؤية.
ويهتم المتخصصون عند اختيار مواقع المطارات بالأماكن، التي لا تتعرض لحدوث الضباب بكثرة، ولا تتأثر بحدوث الزوابع والأعاصير أو تتعرّض لأخطار سقوط الثلج. ولا تستغني الملاحة الجوية عن بيانات الطقس وذلك تأميناً لسلامة حركات الطيران.
ويلزم الملاحين البحريين الإلمام بالتغيرات الطقسية أثناء القيام بالإبحار، من اتجاه الرياح، وسرعتها، ومواعيد حدوث العواصف، والأعاصير، وأثر ذلك على حالة البحر.
و. المناخ وصحة الإنسان
قسم الباحثون في علم المناخ الطبي Medical Climatology، أنواع الأمراض حسب الظروف المناخية الممثلة في كل أقاليم العالم المختلفة. فهناك أمراض المناطق الحارة الرطبة، وأمراض المناطق الباردة، وأمراض المناطق الجبلية. فتنتشر الأنفلونزا وأمراض الحنجرة وفقر الدم (الأنيميا) في المناطق الباردة، والملاريا والحمى الصفراء والكوليرا والتيفود والدوسنتاريا في المناطق المدارية الحارة الرطبة، ومرض النوم بسبب ذبابة تسي تسي في المناطق الاستوائية، كما تؤثر العواصف الرملية في انتشار أمراض العيون خاصة الرمد الربيعي. هذا إضافة إلى تلوث الهواء Air Pollution، (خاصة عندما يصاحب ذلك حدوث الضباب)، وأثر ذلك على صحة الإنسان. فعندما ترتفع درجة تلوث الهواء بالأتربة، والدخان، والمواد الغازية السامة يصبح الهواء، الذي يستنشقه الإنسان بالغ الخطورة على حياته، وقد أدى ذلك إلى مصرع الآلاف من سكان مدينة لندن عندما تعرضت لحدوث الضباب الأسود الملوث بالأتربة والغازات سنة 1902، لذا اهتم هدجسون Hodgson ، بدراسة أثر تلوث هواء مدينة نيويورك بغازات ثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، فوق المناطق الصناعية وأثرها في زيادة نسبة الوفيات.
ز. المناخ والجريمة
هناك ارتباط وثيق بين درجة الحرارة، وأنواع الجرائم، ونسبتها، إذ تختلف نسبة الجرائم من منطقة إلى أخرى باختلاف درجات الحرارة، فجرائم العنف تزداد في المناطق والفصول الحارة وتنخفض في الفصول الباردة، في حين تزداد جرائم الأموال في المناطق والفصول الباردة. ويزداد معدل الجريمة بالاقتراب من خط الاستواء، بينما تزداد جرائم المسكرات بالاقتراب من القطبين.
ح. المناخ وفن العمارة
يختلف تصميم نماذج بناء المساكن في المناطق، التي تستقبل كميات كبيرة من الأمطار والثلج (تكون الأسقف هرمية الشكل) عن تلك، التي تتمثل في المناطق الحارة الجافة (الأسقف أفقية أو مستوية الامتداد). كما أن المباني في المناطق المعتدلة، والمعتدلة الباردة، تتباعد عن بعضها بعضاً وشوارعها واسعة، لتسمح بأكبر قدر من الأشعة الشمسية بدرجل المنازل. أمّا المناطق الحارة الجافة فتكون المساكن متقاربة، وشوارعها غالباً ما تكون ضيقة، حتى ينعم السكان بأكبر قسط من الظلال. ويعمل المتخصصون على اختيار الموقع المناسب لبناء المنازل واختيار أنسب الاتجاهات لواجهتها، وذلك تبعاً لزوايا سقوط الأشعة الشمسية واتجاه هبوب الرياح وتنوع الظروف الطقسية.
الأهمية الجيوستراتيجية لعلم المناخ
للمناخ أهمية جيوستراتيجية، يقدرها بحق المخططون لسير المعارك الحربية. وأصبح من بين أعمال سلاح الإشارة في الجيوش المتقدمة رصد العناصر الجوية وتسجيلها أولاً بأول، لخدمة القوات الجوية، والبحرية، والبرية. ويذكرنا التاريخ بأن من أسباب فشل حملة نابليون بونابرت على الأراضي الروسية قسوة الظروف المناخية الشتوية لهذه البلاد وما تعرض له جنوده من البرد القارس والثلج الساقط، وأصبحت تحركاتهم مشلولة تحت هذه الظروف المناخية. ويحكي التاريخ قصصاً عديدة توضح أثر الظروف الجوية في نجاح المعارك أو فشلها. فقد فشل الفرنجة في درجل دمياط سنة 1218م بسبب الظروف الجوية القارسة. وتكررت هذه الظروف أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث اجتاحت جيوش الألمان الأراضي البولندية خلال فترة انقطاع الأمطار، ومن ثم أحسنوا استخدام وحداتهم الميكانيكية في الهجوم. واجتازت البوارج الألمانية مضيق دوفر الحصين خلال يوم ملبد بالغيوم فلم يستطع السلاح البريطاني إيقاف الهجوم الألماني. وعلى ذلك تؤدي الظروف الطقسية دوراً بارزاً في سير المعارك الحربية، فقد يكون من الصعب القيام بالهجوم الجوي أثناء حدوث العواصف والأعاصير، أو عند حدوث الضباب الكثيف وسوء حالة الرؤية. في حين قد يختار رجال الصاعقة مثل هذه الظروف المناخية الصعبة للعمل خلف خطوط العدو، وقبل هبوط رجال المظلات في المناطق المختارة لهم، وعند تقدم الآليات العسكرية والدبابات، ينبغي أن يكون القائد العسكري على معرفة تامة بالظروف الطقسية، التي تعرقل من إتمام قيام هذه العمليات العسكرية بالنجاح المطلوب. ولذلك لم يكن غريباً أن تكون أعمال الأرصاد الجوية تابعة لإشراف جيش الولايات المتحدة الأمريكية، وأن يكون لجيوش بعض الدول المتقدمة، مثل بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، هيئات خاصة بالجيش من وظيفتها إعداد الخرائط الطقسية التي تلزم وحدات الجيش المختلفة.
ومما سبق يتضح أن علم المناخ يُعد من أكثر العلوم الجغرافية، التي تهم الباحثين والعاملين في مجال العلوم الأخرى. كما أتضح أن كثيراً من الموارد الطبيعية والبشرية ونشاطات الإنسان تتأثر هي الأخرى بالظروف والأحوال الجوية.
ونظراً للارتباط الكبير بين كل من الغلاف الجوي والإشعاع الشمسي، وبين الظواهر المناخية، التي تحدث على سطح الأرض والحياة عليها، ولكي يمكن أدراك هذا الارتباط، تأتي دراسة الغلاف الجوي من حيث تركيبه، وأقسامه، وبعض الظاهرات الجوية، التي تتحكم في توزيع المناخ على سطح الأرض.
_________________
الثلاثاء أكتوبر 09, 2018 10:18 am من طرف خالد
» إعداد رسالة الدكتوراه من البداية حتى نيل الدرجة
الثلاثاء أكتوبر 09, 2018 10:14 am من طرف خالد
» اريد مخطط مدينة مصراتة
الثلاثاء أبريل 10, 2018 6:38 pm من طرف سنيمار احمد
» رسالة دكتوراه بعنوان ميناء طرابلس (ليبيا) دراسة في جغرافية النقل
الثلاثاء يناير 10, 2017 10:19 pm من طرف مول البال
» تعريف الجيومورفولوجيا
الإثنين يونيو 27, 2016 12:56 am من طرف خالد
» صفات الباحث واسس اختيار موضوع البحث
السبت أبريل 09, 2016 7:27 pm من طرف خالد
» الأطلس التعليمي لمرحلة التعليم الاساسي - ليبيا
السبت أبريل 09, 2016 7:25 pm من طرف خالد
» عناوين رسائل الماجستير الجغرافيا المسجلة في الجامعات الليبية حتى شهر12سنة2009م- جغرافية ليبيا.
الثلاثاء مارس 29, 2016 9:10 pm من طرف مول البال
» المساعدة في إعداد رسائل الماجستير والدكتوراة والبحوث العلمية
الخميس مارس 17, 2016 12:57 am من طرف ايثران
» رسالة ماجستير التحليل المكاني و الوظيفي للخدمات التعليمية في مدينة سوران بأستخدام نظم المعلومات الجغرافية ـ جامعة صلاح الدين
الخميس مارس 17, 2016 12:52 am من طرف ايثران
» كتاب جغرافية النقل د. محمد رياض
الأحد مارس 06, 2016 10:53 pm من طرف مول البال
» ليبيا تطور المدن و التخطيط الحضري-- علي الميلودي عمورة
السبت ديسمبر 12, 2015 2:06 pm من طرف خالد